منتديات أنا السلفي , محاضرات برامج سلاسل علمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


أنا السلفي .. طريقك للجنة
 
الرئيسيةالبوابة*أحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الوسوسه ووسائل الخلاص منها..

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
غرباء
مـشـرفـة
مـشـرفـة
غرباء


عدد المساهمات : 401
نقاط : 1179
شكراً لك : 0
تاريخ التسجيل : 20/06/2013

الوسوسه ووسائل الخلاص منها.. Empty
مُساهمةموضوع: الوسوسه ووسائل الخلاص منها..   الوسوسه ووسائل الخلاص منها.. Empty27/6/2013, 10:34 pm

الوسوسه ووسائل الخلاص منها.. NHYxS

::الوسوسه ووسائل الخلاص منها ""
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله شافي الصدور، وقاضي الأمور، وأشهد أن لا إله إلا الله الرحيم الشكور، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله وصفيه من خلقه، أنزل عليه الكتاب شفاءً لما في الصدور، وعلى آله وصحبه أهل الدثور والأجور، ومن تبعهم بإحسان واقتفى أثرهم إلى يوم البعث والنشور، وعنا معهم برحمتك ومَنَّك وكرمك يا عزيز يا غفور..
أما بعد:
فلقد ضاقت صدور كثير من العباد اليوم بسبب كثرة الماديَّات، ومشاهدة الفضائيات، والإسراف في المحرمات والسيئات، والاقتصاد في الطاعات والحسنات، فحصلت تلك الآهات، وكثرت تلك الصرخات، بل وحصل أدهى من ذلك وأَمَرَ، فصارت الوسوسة حتى أن البعض يفكِّر كيف يتخلص من نفسه من جرَّاء الضيق والحسرة والوحشة التي يعيشها، فلا طعم للحياة عنده، ولا هدف ولا غاية يرى أنه من أجلها خُلِق، وكل ذلك بسبب الابتعاد عن المنهج القويم والصراط المستقيم، وحصلت الوسوسة حتى في العبادة، فلم يدر كم صلَّى أثلاثًا أم أربعًا؟ وفي الوضوء أغسل ذلك العضو أو لم يغسله؟ بل وأصبح البعض يوسوس حتى في أهل بيته، أهذه الزوجة عفيفة نقيَّة؟ أم غير ذلك؟ فالحاصل أن الوسوسة سيطرت على بعض الناس سيطرة تامة حتى أنه لا يجد للراحة طعمًا، ولا يغمض له جفنًا، ولا يرى للوجود سببًا، وكل ذلك بسبب الاستسلام للشيطان وما يسببه من أوهان، وسفيه الأحلام، فعلى المسلم أن يتوسل إلى الله تعالى لذهاب وسوسة الشيطان ونزغاته، وكل ذلك موجود وثابت في ديننا الحنيف، فمن أراد طرد تلك الوساوس فعليه بالقرآن والأذكار قبل أن ينام، ففيها الشفاء التام، بإذن الله العلَّام.
الشيطان عدو الإنسان:
لقد أخذ الشيطان – أعاذنا الله منه – العهد والميثاق، لغواية بني آدم، وجاء ذلك صريحًا في كتاب الله عز وجل، حيث قال تعالى: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ( [ص: 82-85]، ولهذا حذَّر الله تبارك وتعالى من الشيطان وكيده وجنده، وبيَّن ذلك واضحًا جليًّا في القرآن الكريم، فقال تعالى: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ( [فاطر: 6].

فالواجب على كل من ميَّزه الله بالعقل ووهبه هذه النعمة العظيمة أن يستعملها فيما خُلِقَ من أجله ألا وهي عبادة الله وحده لا شريك له، ويجعل كل وقته أو أكثره مسخرًا لطاعة مولاه الذي خلقه فسوَّاه، ووهب له النعم الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى، ومن استبدل الذي هو أدني بالذي هو خير فقد خسر وخاب وندم، فطاعة الله عز وجل، وطاعة الشيطان الرجيم لا تجتمعان في قلب إنسان أبدًا، فالله يدعو إلى الجنة والمغفرة، يدعو عباده للرحمة والرأفة، أما الشيطان عدو الإنسان فلا يدعو إلا إلى كل فاحشة ورذيلة، وكل ما يبعد عن الفضيلة، فهو يدعو العباد إلى السخط والنار والعياذ بالله، قال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ 


فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا( [الكهف: 50]، فكان اتباع الشيطان من أسباب الانتكاسة والخسارة في الدنيا والآخرة.
الشيطان يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، فإن هم أطاعوه واتبعوا الهوى والشهوات، وارتكبوا المحرمات والمنهيات، وإن هم تركوا الطاعات، وهجروا القُرُبَات، فإن هم فعلوا ذلك فقد أحلُّوا بأنفسهم دار البوار، وستحل بهم النقمات، ثم سيتخلى عنهم شيطانهم الذي اتبعوه واتخذوه وليًّا لهم من دون الله، نعم سيعترف لهم بعد أن يكونوا حطبًا لجهنم، وحصبًا لها، أنه لم يأمرهم إلا بالباطل فاتبعوه، فهو ليس مسؤولًا عنهم، ولم يجبرهم على اتباعه، ولا سينقذهم من النار، إذ كيف سينقذهم منها وهو خالد فيها؟ والقرآن يصوِّر هذه الأحداث لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فيقول الله تعالى: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم( [إبراهيم: 22]، فالشيطان لا يفتأ يوسوس للإنسان حتى تزل قدمه عن طريق النجاة، وتتفرَّق به السبل، ويغرق في لجج المعاصي والآثام، وتتلاطم به بحور الذنوب العظام، فتضيق به نفسه، وتتفاقهم الدنيا عنده، فيلهث من أجلها، فيصبح لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا، فهذا هو الشيطان عدو الإنسان.
أهل الدجل:

فإن نعم الله جل وعلا على عباده لا تُعَدُّ ولا تُحصى، قال تعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ( [إبراهيم: 34]، ومع إغداق الله هذه النِعَم على العباد ليل نهار، فمنهم من يستعين بها على معصية الله تعالى، فخير الله إليهم نازل وشرهم إليه صاعد، ثم لا تجد أكثرهم شاكرين، بل قليل منهم الشكور، قال تعالى: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ( [سبأ: 13].
وشاء الله أن يبتلي الكثير من عباده ويختبرهم ويمتحنهم بصور شتى، ومن هذه الابتلاءات ما قدره الله على خلقه من أمراض وأسقام وأدواء.
لقد ابتلي بعض الناس بالكثير من الأمراض النفسية وغير النفسية، وما ذاك إلا امتحان من الله جلَّت قدرته لهم ليرى وهو أعلم بهم مدى صبرهم على ألأذى واحتساب الأجر فيه، أو بسبب طغيانهم ليعودوا إليه سبحانه، أو ليكفر عنهم من سيئاتهم حتى يلقوا ربهم بلا خطايا، أو غير ذلك من الأسباب التي لا يعلمها إلا عالم الغيب والشهادة.
فمن ابتلي بذلك فعليه بالصبر واحتساب ذلك عند الله تعالى، وليعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وكل ذلك بقدرته تعالى وتقدَّس، قال تعالى: (يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ( [البقرة: 153].
وليحذر المسلم من أهل الدجل من الكهنة والمشعوذين، والسحرة والساحرين، وغيرهم من الماكرين والمبتزين، واللاعبين بعقول ضعاف المسلمين، فعليهم من الله ما يستحقون من العذاب والعقاب الأليمين.
فمن اعتقد على أولئك السحرة والمشعوذين خذلوه وأوردوه المهالك، وما زادوه إلا وَهَـنًا وَمَرضًا، بل قد يخرج من يتعامل معهم من دائرة الإسلام – والعياذ بالله – واعلم والله أنه ما رجا إنسان أحدًا غير الله إلا خذله وضرَّه وما نفعه، وذلك لأنه لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا فكيف ينفع غيره أو يضره، فالله المستعان وعليه التكلان، يقول النبي (: «ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له» [حسَّنه الألباني في غاية المرام]، وقال عليه الصلاة والسلام: «من أتى عرَّافًا فسأله عن شيء فصدقه بما قال لم تقبل منه صلاة أربعين يومًا» [مسلم]، وقال  «من أتى كاهنًا فصدقه بما قال؛ فقد كفر بما أنزل على محمد (» [صحيح رواه البزار وأبو داود].
فليتق الله أناس عرفوا الحق من الباطل، وميَّزوا الخير من الشر واشرأبَّت نفوسهم أمر الله عز وجل وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام، ثم يذهبون يتخبطون في ظلمات أولئك السحرة والدجالين غير مكترثين بما أعد الله لهم من عذاب وعقوبات من جرَّاء تلك الرحلات إلى أجواء الكذّابين والكذّابات.
وعلى الإنسان أن يسعى جاهدًا من أجل الحصول على علاج ما به من آلام وأمراض، فلقد أخرج ابن ماجه من طريق أبي خزامة عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت رقىً نسترقيها ودواء نتداوى به، هل يرد ذلك من قدر الله شيئًا؟ قال: «هي من قدر الله تعالى».
فأقول: لقد جاء العلاج من كتاب الله تعالى وسنة نبيه (، وبيَّنه العلماء الأفاضل بإيضاح تام، وهناك وسائل يجب على المسلم أن يحرض عليها حتى يجنب نفسه الوسوسة، ويقيها من الشيطان، ومن هذه الوسائل:
الوسيلة الأولى: الاستعاذة:
قال جلا وعلا: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)( [الأعراف: 200].
يقول الشيخ محمد علي الصابوني في تفسير هذه الآية: «أي وإما يصيبنك طائف من الشيطان بالوسوسة والتشكيك في الحق فاستعذ بالله، أي فاستجر به والجأ إليه في دفع الشيطان وأذاه وهمزه ونفثه ونفخه فالله سميع لما تقول، عليم بما تفعل، فالذين اتصفوا بتقوى الله وطاعته والخوف منه سبحانه إذا أصاتبهم الشيطان بوسوسته وحام حولهم بهواجسه تذكروا عقاب الله وثوابه فإذا هم يبصرون الحق بنور البصيرة، ويتخلصون من وساوس الشيطان بتمسكهم بحبل الله المتين ويستعيذون بالله من الشيطان الرجيم». انتهى ملخصًا مزيدًا.
يقول الله عز وجل: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ( [النحل: 98-100].
يقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في «أضواء البيان»: «أن الشيطان ليس له سلطان على المؤمنين المتوكلين على الله حق التوكل، ولو أحسن العبد توكله على ربه سبحانه وتعالى لرزقه المولى كما يرزق الطير تغدوا خماصًا وتروح بطانًا، فلو توكَّل العبد على ربه توكلاً كاملاً لرزقه من حيث لا يحتسب، ولهذا قال تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ( [الطلاق: 3]، فمن كان الله حسبه كفاه كل سوء ومكروه، وكفى به سبحانه حسيبًا ونصيرًا، ومتوكلاً عليه ومعينًا.
فسلطان الشيطان بالحجة التوهيم، والوسوسة والتشكيك لا يكون على عباد الله المؤمنين الصادقين المخلصين المتوكلين، وإنما يكون سلطانه ونزغه وتوهيمه ونشر شره على أتباعه الذين يتولونه وأطاعوه فيما يدعوهم إليه من الذنوب والمعاصي، والذين أشركوه مع الله عز وجل فاتبعوا الشيطان والهوى فزلَّت بهم أقدامهم عن طريق النجاة، فغاصوا في لُجج الأمراض النفسية، بسبب الوسوسة التي يلقيها الشيطان في نفوسهم والعياذ بالله، فلا يجدون راحة ولا اطمئنانًا، فاتباع الشيطان سبب للهلاك والدمار، والغرق في بحور الآثام العظام، فهو عدو البشرية جمعاء، وقد كاد لها العداء، من لدن آدم ( حتى أنه أخرجه من الجنة بسبب ما يلقيه في روعه من الوسوسة والتوهيم.
واعلم أن الشيطان قد أخذ العهد والميثاق من الله تعالى لغواية بني آدم حتى يخرجهم من النور إلى الظلمات، ويقذف بهم إلى النيران المظلمات، ثم يتخلَّى عنهم بعد ذلك فيقول: (قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ( [الحشر: 16، 17] فإبليس أعاذنا الله منه، لا همَّ له إلا إضلال العباد عن طاعة ربهم الواحد الأحد، وإخراجهم من دائرة الإسلام إلى دين الأهواء والشهوات، نسأل الله العافية والسلامة، فهو حريص كل الحرص على أن يوقع الناس في شراكه، ويدخلهم في شباكه، حتى يتعدوا حدود الله إلى ما حرم عليهم، ولا عصمة للعبد من الشيطان إلا بطاعة الرحمن بصدق وإخلاص وحُسن نية، قال تعالى: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ( [الأعراف: 16-18]. انتهى ملخصًا مزيدًا.
حكي عن بعض السلف أنه قال لتلميذه: ما تصنع بالشيطان إذا سوَّل لك بالخطايا؟ قال: أجاهده، قال: فإن عاد؟ قال: أجاهده، قال: فإن عاد، قال: أجاهده، قال: هذا يطول، أرأيت لو مررت بغنم فنبحك كلبها ومنعك من العبور ما تصنع؟ قال: أكابده وأرده جهدي، قال: هذا يطول، ولكن استغث بصاحب الغنم يكفه عنك، فلله المثل الأعلى، فإن جاءك الشيطان بوسوسته وكيده فاستعن بخالقه وخالقك يكفك شره وكيده، ويطرد عنك وسوسته ومكره.
ولقد شكا الصحابة رضوان الله عليهم إلى رسول الله ( شيئًا يجدونه في صدورهم – من وسوسة الشيطان – فقال (: «يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا وكذا حتى يقول له: من خلق ربك، فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته» [رواه البخاري ومسلم].
قال تعالى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ( [الفلق: 1-5].

يقول ابن كثير: روى مسلم في صحيحه عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله (: «ألم تر آيات أنزلت هذه 

الليلة لم ير مثلهن قط: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ(، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ(.
وقال ابن سعدي: «(قُلْ(: متعوذًا، (أَعُوذُ(: أي: ألجأ وألوذ وأعتصم، (بِرَبِّ الْفَلَقِ(: أي: فالق الحب والنوى، وفالق الإصباح، (مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ(: وهذا يشمل جميع ما خلق الله، من إنس وجن وحيوانات، فيستعاذ بخالقها من الشر الذي فيها، (وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ(: من شر ما يكون في الليل، حتى يغشى النعاس، وينتشر فيه كثير من الأرواح الشريرة، والحيوانات المؤذية، (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ(: من شر السواحر اللاتي ينفثن في العقد من أجل السحر، (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ(: الحاسر: هو الذي يحب زوال النعمة عن المحسود بما يقدر عليه من أسباب، فاحتيج إلى الاستعاذة بالله من شره وإبطال كيده، ويدخل في الحاسد، العائن؛ لأنه لا تصدر العين إلا من حاسد شرير الطبع خبيث النفس».
قال تعالى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ( [سورة الناس].

يقول الشيخ ابن سعدي رحمه الله في تفسير هذه السورة: «وهذه السورة مشتملة على الاستعاذة برب الناس ومالكهم وإلههم من الشيطان، الذي هو أصل الشرور كلها، ومادتها الذي من فتنته وشره أنه يوسوس في صدور الناس، فيُحَسِّن لهم الشر، ويريهم إياه في صورة حسنة، وينشط إرادتهم لفعله، ويثبطهم عن الخير، ويريهم إياه في صورة غير صحيحة، وهو دائمًا بهذه الحال يوسوس ثم يخنس، أي: يتأخر عن الوسوسة إذا ذكر العبد ربه واستعان على دفعه، فينبغي له أن يستعين ويستعيذ ويعتصم بربوبية الله للناس كلهم، وأن الخلق داخلون تحت الربوبية والملك، فكل دابة هو آخذ بناصيتها، وبألوهيته التي خلقهم لأجلها، فلا تتم لهم إلا بدفع شر عدوهم الذي يريد أن يقتطعهم عنها، ويحول بينهم وبينها، ويريد أن يجعلهم من حزبه، ليكونوا من أصحاب السعير، والوسواس كما يكون من الجن يكون من الإنس». [تيسير الكريم الرحمن 5/453].


الوسيلة الثانية: المجاهدة:
فمن الناس من يأتيه الشيطان بوسوسة غريبة عجيبة ليهلكه ويجعل خاتمته سيئة، وعاقبته وخيمة، فيبث في روعه أنه سيموت وأن نهايته قربت وأجله انتهى، ولا يعلم ذلك إلا الله وحده دون أي أحد من المخلوقين، قال تعالى: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ( [النمل: 65] فالمؤمن الحق يعمل من الصالحات وهو يعلم أنه على سفر وما يلبث أن يرتاح من عناء هذا السفر فهو مستعد للقاء ربه بالتوبة الصادقة وكثرة أعمال البر وطرق الخير، فهو يتوق للقاء الله تعالى، ويعلم حق العلم أنه سينتقل من دار الفناء إلى دار البقاء، ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، فمن كان تعلقه بالله والدار الآخرة كفاه ذلك عن الاهتمام أو الإصغاء إلى توهيم الشيطان ووسوسته، ويعلم أن ذلك من كيده ونزغاته، فيفر من ذلك بالإقبال على الله تعالى في كل شؤون حياته، فالله خيرٌ حافظًا وهو أرحم الراحمين.
ومن الناس من يأتيه عدوه فيوسوس له بأنه مريض مرضًا خطيرًا لا قدرة للأطباء على علاجه، أو أنه ستصيبه جائحة أو فاجعة أو ما شابه ذلك، فمن أراد العلاج فليبحث عن نفسه أولاً؛ لأن الله تعالى يقول: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ( [الرعد: 11]، فالواجب على المسلم تطهير نفسه من كل شائبة شركية أو بدعية، وكل منهي عنه، أو اعتداء على حرام أو منكر أو كبيرة، ثم بعد ذلك يلجأ إلى الله ليزيل عنه كيد عدوه، ويبعد عنه مكره ووسوسته.
فمن وجد في نفسه تلك الوساوس فلينته عن ذلك فورًا وليكثر من ذكر الله تعالى على كل حال، وليتزود بكثرة الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم وشركه، ونفثه ونفخه، وكثرة الاستغفار فهو سبب ذهاب الهم والغم، وإحلال الفرح والسرور، فالله تعالى نعم المولى ونعم النصير.
الوسيلة الثالثة: قراءة القرآن:
واعلم أيها المسلم أن الله تعالى قد أنزل الكتاب العظيم القرآن الكريم تبيانًا لكل شيء، وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين، وفيه الدواء والشفاء، واقرأ قول الله تعالى حيث قال: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ( [الإسراء: 82]، وقوله تعالى: (يأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ( [يونس: 57]، وقوله تعالى: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ( [فصلت: 44].
فقراءة القرآن بالتدبُّر والطمأنينة من أسباب طرد الشيطان ووسوسته وخصوصًا سورة البقرة فإن الشيطان يفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة، قال (: «لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، فإن البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله شيطان» [رواه الإمام أحمد ومسلم وغيرهما]، وجاء في فضلها أيضًا، قوله (: «اقرؤوا البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة» [متفق عليه]، ومعنى ذلك أن السحرة لا يستطيعون حفظها، وقيل: لا تنفذ الشياطين إلى قارئها.

وسورة البقرة تضم أعظم آية في كتاب الله تعالى، ألا وهي آية الكرسي التي صدق النبي ( في فضلها قول الشيطان لأبي هريرة فقال: «ما فعل أسيرك البارحة...» ثم ذكر الحديث إلى أن قال: «دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها» قلت: وما هي؟ قال: «إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ( حتى تختم الآية، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح» [رواه البخاري]، وقال ( في خواتيم سورة البقرة وهي الآيتين الأخيرتين منها: «من قرأ هاتين الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه» [رواه مسلم]. وقيل: معنى كفتاه: أي كفتاه من شر ومكروه.
 
فينبغي على المسلم أن يقوم بهذه الآيات تعلمًا وتعليمًا لنفسه وأولاده لما فيها من فضل عظيم خصوصًا ضد عدو البشرية إبليس وأعوانه نعوذ بالله من فتنته وإضلاله. وحاصل ذلك أن القرآن الكريم هو صراط الله المستقيم، من تمسك به واتبع أوامره واجتنب نواهيه؛ فاز ورشد وهُدي إلى الصراط القويم، واكتسى وجهه نورًا وبهاءً، وكانت حياته سعادة وهناءً، وفرحًا وسرورًا، ولم يجد الشيطان له إليه سبيلاً؛ لأن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته، وهم حزب الله المفلحون الذين لا غالب لهم. أما من أعرض عن القرآن فستقذفه الأهواء والأدواء، وسيلعب به الشيطان كما يلعب الصغير بالدمية، وسيكون عرضه للوساوس والهواجيس، وبذلك سيضيق الصدر، وتضيق عليه الأرض بما رحبت، ولهذا قال النبي "إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخَرِب» [رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح]، فمن كان جوفه خربًا أي خاليًا من كلام الله وذكره تعالى، فلا غرو أن يتسلط عليه الشيطان بالحزن والأسى.
فاعتبروا يا أُولي الأبصار!
وكثير من الناس إذا أقبل على قراءة القرآن ورأى الشيطان منه صدق العزيمة، بدأ يلهيه ويبعده عن ذلك بما يبثه من وساوس وهواجيس، فتارة يُنعَسِّه ويُرَغِّب النوم إليه، فينام ويترك كتاب الله، وتارة يذكره بأمور دنيوية دنيئة فينصرف إليها ويحكم الوثاق على القرآن، وتارة يشعره بصعوبة ما يقرأ فيترك القارئ قراءة القرآن طاعة للشيطان، وكل هذه حيلٌ شيطانية مكشوفة لا تخفى على ذي لُب وعقل، ولكن ما السبيل لدفع ذلك؟
السبيل لدفع الشيطان ووسوسته هو ما ذكره الله عز وجل في كتابه لقارئ القرآن وما أوصاه به قبل القراءة، فقال سبحانه وتعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ( [النحل: 98].
يقول العلامة ابن سعدي رحمه الله: «فإذا أردت القراءة لكتاب الله الذي هو أشرف الكتب وأجلها، وفيه صلاح القلوب والعلوم الكثيرة، فإن الشيطان أحرص ما يكون على العبد عند شروعه في الأمور الفاضلة، فيسعى في صرفه عن مقاصدها ومعانيها، فالطريق إلى السلامة من شره الالتجاء إلى الله والاستعاذة به من شره، فيقول القارئ: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»، متدبرًا لمعناها معتمدًا بقلبه على الله في صرفه عنه، مجتهدًا في دفع وساوسه وأفكاره الرديئة، مجتهدًا على السبب الأقوى في دفعه وهو التحلي بحلية الإيمان والتوكل على الله، فيدفع الله عن المؤمنين المتوكلين عليه شر الشيطان، ولا يبقى له عليهم سبيل». انتهى.
الوسيلة الرابعة: حِلَقُ الذكر:
ومما يطرد الشيطان ويرد كيده وقهره، مجاهدته بعدم قبول وسوسته ورد كيده في نحره، فيلزم المسلم نفسه حضور حلق الذكر من دروس ومحاضرات وقراءة قرآن، ومخالطة الصالحين ومجالستهم فهم القوم لا يشقى بهم جليسهم، وهذه المجالس التي يفرح الله تعالى بها ويرضاها لعباده، فتحفها الملائكة، وتنزل عليها السكينة، وتغشاها الرحمن، قال "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمن، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده» [رواه مسلم].
فعلى المسلم أن يلجأ إلى كاشف الغم، وفارج الهم، مجيب دعوة المضطرين، ولي الصالحين، وكاشف ضر المتضررين، الله الرؤوف الرحيم، المنان الكريم.
الوسيلة الخامسة: الحذر من الوحدة:

وإن مما يجلب وسوسة الشيطان ونزغاته وتوهيماته وشروره بقاء الإنسان وحيدًا، ففي الوحدة شر عظيم، وخطر كبير، خوفًا مما قد يبثه من سمومه، وينفثه من همومه، ويلقيه في روع العبد عندما يعتزل الناس بدون سبب مقنع من التزام بقراءة أو تأليف أو غير ذلك مما قد يشغل الإنسان عن وسوسة الشيطان، ولهذا حذَّر النبي ( من الوحدة فقال: لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده» [رواه البخاري]، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله (نهى عن الوحدة أن يبيت الرجل وحده أو يسافر وحده» [أورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه الإمام أحمد ورجاله رجال الصحيح]. وعند الطبراني: «ولا نام رجل في بيت وحده».
فالوحدة مدعاة لوسوسة الشيطان ونزغه، وجاء التحذير النبوي الكريم لما قد يبثه الشيطان من الشكوك والظنون وسيئ الأفكار التي تجر إلى الحرام وعدم الاطمئنان وضيق الصدر وتقلصه، وكل ذلك يجر إلى سوء الخاتمة والعياذ بالله، مثل الانتحار الذي انتشر في هذه الآونة خصوصًا في بلاد الكفر والشرك والإلحاد.

واعلم أيها المسلم أن الذئب لا يأكل إلا من الغنم القاصية البعيدة عن مراقبة ربها وصاحبها، فكذلك الشيطان لا يتسلط إلا على من ابتعد عن طاعة الله عز وجل، فلهذا يجد الشيطان إلى تلك القلوب مسلكًا واضحًا، وطريقًا ممهدًا، لأنها خاوية من ذكر الله وحب الله والخوف من الله، فهذه القلوب خربة لا يسكنها ولا يعشش فيها إلا الشيطان وأعوانه، فأصحابها أحياءً أمواتًا، أحياء الأجساد موتى القلوب، نسأل الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، ونسأله الحياة لقلوبنا، فإنه إذا صلح القلب صلح الجسد كله، وإذا فسد القلب فسد الجسد كله، فمدار الأعمال من قبول ورفض على القلب لأنه هو الذي يصدق ذلك ويكذبه، فيا لها من حياة تعيسة لا خير فيها ولا رجاء منها، تلك الحياة التي لا يعرف أصحابها طريقة الهداية والاستقامة، يقول تعالى: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ( [الزمر: 22]، ويقول الله تعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُون( [الأنعام: 125].

يقول العلامة ابن سعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: «يقول تعالى مبينًا لعباده علامة سعادة العبد وهدايته وعلامة شقاوته وضلاله من انشراح صدره للإسلام، أي: اتسع وانفسح فاستنار بنور الإيمان وحيى بضوء اليقين فاطمأنت بذلك نفسه وأحب الخير وطوعت له نفسه فعله متلذذًا به غير مستثقل، فإن هذا علامة على أن الله قد هداه ومنَّ عليه بالتوفيق، وسلوك أقوم الطريق، وأن علامة مَن يرد الله أن يضله أن يجعل صدره ضيقًا حرجًا، أي: في غاية الضيق عن الإيمان والعلم واليقين، قد انغمس قلبه في الشبهات والشهوات، فلا يصل إليه خير ولا ينشرح قلبه لفعل الخير، كأنه من ضيقه وشدته يكاد يصعد في السماء، أي: كأنه يُكلف الصعود إلى السماء الذي لا حيلة فيه، وهذا سببه عدم إيمانهم فهو الذي أوجب أن يجعل الله الرجس عليهم؛ لأنهم سدوا على أنفسهم باب الرحمة والإحسان، وهذا ميزان لا يعول وطريق لا يتغير، فإن من أعطى واتَّقى وصدَّق بالحسنى يسَّره الله لليسرى، ومن بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسييسره للعسرى». انتهى.
الوسيلة السادسة: الصلاة:
ومن أهم ما يطرد الشيطان ووسوسته، ويقي من شروره وفتنته، المحافظة على الصلوات المفروضة جماعة حيث ينادى لها في بيوت الله عزَّ وجل، وقد جاء الأمر الرباني بالمحافظة على الصلوات المكتوبة بقوله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ( [البقرة: 238]، وأداء الصلاة لا يكون إلا في بيوت الله عز وجل وهي المساجد، وقد امتدح الله تعالى عباده الذين يؤدون الصلوات المكتوبة في المساجد وبين الفرق 

الشاسع بين الذَكَر والأُنثى في بعض التكاليف، ومن ذلك أن المخاطب بأداء الصلاة في المساجد الرجل دون المرأة، فقال جلَّ من قائل سبحانه: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ( [النور: 36، 37]؛ لأن الرجل هو القوام وهو المكلف بالقيام على النفقة وجلب الرزق للمرأة والأولاد، أما المرأة فقد جاء الأمر بقرارها في البيت والتحذير من خروجها واختلاطها بالرجال؛ لما في ذلك من الفتنة الظاهرة البيان والواضحة البرهان، فقال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى( [الأحزاب: 33].
والرجل والمرأة في التكليف بأداء الصلاة سواء، لكن الاختلاف في أن الرجل يؤديها مع الرجال في المساجد، والمرأة تؤديها في بيتها، ومعلوم أن تارك الصلاة كافرٌ سواءً تركها جاحدًا لوجوبها أو متهاونًا بها ومتكاسلاً، وتاركها منافق نفاقًا أكبر مخرج من الملة ودليل ذلك قوله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا(... إلى قوله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا( [النساء: 142-145]، فالصلاة من أهم وسائل الراحة والاطمئنان، وهداية البال، والإقبال على المنان، وهي أوثق عُرى الدين بعد الشهادتين، وهي الصلة العظمى بين العبد وربه، يناجي فيه المسلم ربه طامعًا في مرضاته لتفريج كرباته، وذهاب همومه وغمومه، وطرد شيطانه ووسوسته، فمن حافظ عليها كانت له نور وبرهان ولا نجاة، وبالتالي سيسطر عليه الشيطان ويبث فيه سمومه ويقذف في قلبه الرعب والخوف والقلق وعدم الاطمئنان، وسيضيق صدره، وعلى سعة الأرض ورحابتها فهي لديه ضيقة كئيبة، وكل ذلك بسبب ظلم الإنسان لربه ولنفسه، فمن اتبع رضوان الله تعالى وتمسك بدينه ولم يزغ عنه قدر أنملة فإن الله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه، ومن اتبع الشيطان وتمسَّك بحبله واستمع لمكائده وانطلت عليه حيله، فإن الشيطان وأعوانه من شياطين الإنس والجن يدعون إلى النار والسخط والعذاب.
ولقد كان النبي ( إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، يشكو بثه وحزنه إلى الله تعالى كاشف الغم وفارج الهم مجيب دعوة المضطرين، فلنا في رسول الله ( الأسوة الحسنة، فالواجب على المؤمن إذا حزبه أمر وأحزنه، أو نفث الشيطان في روعه ما يضيق به صدره، أو أصابه بوسوسته، أن يلجأ ويفزع إلى ربه سبحانه بالصلاة بأن يفرج ما به من الهموم والغموم، وطرد الوساوس والأوهام التي يلقيها الشيطان في قلب الإنسان، ولهذا قال النبي (: «وجعلت قرة عيني في الصلاة» [انظر المستدرك 2/174 وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه]. وكان يقول لبلال (: «أرحنا بها يا بلال» [رواه الطبراني في الكبير].
فالعاقل المنصف يحكم عقله قبل هواه، ويتبع ما يأتيه من ربه سبحانه، ويجاهد شيطانه بكل ما أوتي من قوة وجهد، واعلم أيها العاقل الفطِن أن الشيطان يئس أن يُعبد في جزيرة العرب، ولكنه أخذ العهد لغواية الناس وإبعادهم عن دينهم، وإضرام نار الهموم والوسوسة في صدورهم إذا ابتعدوا عن طاعة ربهم وهجروا الصلاة فإن هم فعلوا ذلك استحوذ عليهم الشيطان فكانوا أجسادًا تمشي بلا هدف، فهم يتخبطون في لُجج المعاصي والذنوب، ويسبحون في أوحال الرذيلة والبعد عن الفضيلة، فيجد الشيطان في صدورهم مرتعًا خصبًا ليبث سمومه وينشر همومه فيهم، فلا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا به، قال (: «ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية» [رواه أبو داود وحسنه شعيب الأرنؤوط].
فمن أراد الراحة النفسية والجسدية فعليه بالمحافظة على الصلوات، ففيها الراحة التي لا راحة مثلها، ويكفي أن من حافظ عليها كان في ذمة الله وعهده وضمانه وأمانه، فمن كان في ذمة الله لن يضيعه الله أبدًا، فهو سبحانه ولي الصالحين المحافظين على الصلوات جماعة في بيوته سبحانه، وهو تعالى خير الحافظين، ومجيب دعوة الداعين، وقامع الشياطين، ومزيل نفثهم، ومذهب وسوستهم، فسبحان الله والحمد لله.

وللشيطان مداخل ومكائد ينصبها للعبد المؤمن، فإذا أقبل المسلم على صلاته لبس له الشيطان فيها فيذكره بأمور كان قد نسيها، ويدس له الدسائس كيلا يستحضر من صلاته شيئًا، ومنهم من لا يدر كم صلَّى أثلاثًا أم أربعًا، ومنهم خن لا يدري ماذا قرأ الإمام إن كانت الصلاة جهرية، وكل ذلك من الاستسلام للشيطان وغوايته، فيخرج المصلي من صلاته ولم يكتب له منها شيء، بل قد لا تتجاوز صلاته عنقه، ومنهم من ترفع صلاته إلى السماء فلا تفتح لها أبواب السماء فتضرب وجه صاحبها وتقول: ضيعك الله كما ضيعتني، فالأمر خطير، نسأل الله العافية، وعلاج ذلك أن يستحضر المسلم عظمة ربه سبحانه، وأنه واقف بين يدي الملك الجبار الذي له ملك السموات والأرض، ويقطع كل صلة له بالدنيا وأهلها وزخرفها، ويعلم أن هذه الصلاة قد تكون آخر صلاة يصليها، فيحضر قلبه ويخشع فيها ويطمئن، فإذا جاءه عدوه ليوسوس له ويلبس عليه جاهده ودافعه وكابده، وعلى المؤمن أن يكثر من الاستعاذة بالله من الشيطان وهو في صلاته ولينفث نفثًا خفيفًا عن يساره، فإن ذلك مما يرد كيد الشيطان ووسوسته، نعوذ بالله من الشيطان، ونعتصم بالرحمن.
الوسيلة السابعة: الدعاء:
إن الشيطان عدو الإنسان، هو لا يألو جهدًا في إغواء العبد عن عبادة ربه سبحانه بكل ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ولا يهنأ له بال حتى يزيغ قلوب الناس ويفسدها ويخرجها من النور إلى الظلمات، وهذا دأبه وديدنه، ولكن الله عز وجل لطيف بعباده، رغبهم في عبادته وحده، ورهبهم من عبادة غيره معه، ودلَّ عباده على كل وسيلة تطفئ نار الشيطان، وتخمد وسوسته، وتذهب شكه، ومن هذه الوسائل الدعاء، فالله جل وعلا رغَّب عباده في الدعاء الصالح وحثَّهم عليه؛ لأن بالدعاء تتذلل الصعاب، وتتفتت الجبال، ويذهب العسر مع اليسر، ويحل الفرح والسرور، وتزول كل الشرور، وتزول وساوس الشيطان وهمزاته، قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ( [البقرة: 186]، وقال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ( [غافر: 60]، وقال (: «الدعاء هو العبادة» [رواه ابن حبان في صحيحه، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح]. وفي رواية أخرى: «الدعاء مخ العبادة»، فحاصل ذلك أن الدعاء والتضرع إلى الله به من التوفيق والهداية وإزالة الوساوس الشيطانية، والمكائد الإبليسية التي ينشرها الشيطان بين الناس، ويملأ بها قلوبهم، فالدعاء بإذن الله تعالى سبب لإزالة ذلك إذا دعا العبد ربه مخلصًا موقنًا بالإجابة ليزيل عنه ما يجده من نزغات الشيطان ومكائده.
وللدعاء آداب ينبغي على المسلم التمسك والتحلي بها، ومن جملتها:
1- أن يكون المسلم على طهارة.
2- أن يكون الدعاء بعد صلاة نافلة.
3- أن يكون الدعاء بعد قراءة ما تيسَّر من القرآن.
4- أن يثني علي الله عز وجل بما هو أهله قبل الدعاء.
5- أن يصلي على النبي ( قبل الدعاء.
6- أن يتخير مواطن إجابة الدعاء (وسنذكرها بعد ذلك).
7- أن يكون موقنًا من قلبه بإجابة الله لدعائه.
8- أن لا يدعو بحرام أو قطيعه رحم أو ما شابه ذلك.
9- أن يلح على الله في الدعاء.
10- أن يكرر الدعاء ثلاثًا أو أكثر رغبة في الإجابة.
11- أن يستقبل القبلة حال دعائه.
12- أن يستحضر قلبه أثناء الدعاء، لأنه قد لا يستجاب للغافل واللاهي.
13- أن يرفع يديه حال دعائه؛ لأن الله تعالى يستحي أن يرد يدي عبده صفرًا إذا دعاه.
14- الحذر من موانع الدعاء (وسنذكرها في موضع آخر).
15- أن يختم دعاءه بالثناء على الله والصلاة على رسوله ( كما بدأ بذلك أولاً.
16- أن يكون الدعاء في خلوة لا يراه أحد من الناس حتى لا يدخله الرياء والعجب والعياذ بالله.
17- أن يكون الدعاء في الأماكن الفاضلة كالمساجد.
18- أن يكون المكان خاليًا من الملاهي والمغريات حتى لا تتعلق نفسه بها فيغفل عن دعائه.
وكما أن للدعاء مواطن يُستجاب فيها فكذلك له موانع تمنع من إجابته يجب على المسلم أن يحذرها ويجتنبها حتى يسلم له دعاؤه، 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
غرباء
مـشـرفـة
مـشـرفـة
غرباء


عدد المساهمات : 401
نقاط : 1179
شكراً لك : 0
تاريخ التسجيل : 20/06/2013

الوسوسه ووسائل الخلاص منها.. Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوسوسه ووسائل الخلاص منها..   الوسوسه ووسائل الخلاص منها.. Empty27/6/2013, 10:40 pm

ومن هذه الموانع ما يلي:
1- أكل الحرام: ومن ذلك أكل الربا، والرشوة، وخصوصًا لما يتوصل به إلى حرام، وأكل أموال الناس بالباطل، وأكل الميتة.
2- شرب الحرام: ومن ذلك شرب الخمور والدخان والمخدرات والمسكرات، وكل ما فيه ضرر على الإنسان.
3- لبس الحرام: كمن يلبس ثوبًا مسروقًا، أو ثوب حرير، أو الثوب الذي يشبه ثياب النساء، أو ثياب الكفار، أو الثوب الطويل الذي هو أسفل من الكعبين، ومعلوم خلاف العلماء في صحة صلاة من صلى بثوب محرم، فلينتبه المسلم إلى ذلك الخطر.
4- التغذي بالحرام: وقد ذكر النبي (: «الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب، يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذي بالحرام، فأنَّى يستجاب لذلك» [رواه مسلم].
5- عدم التعجيل في إجابة الدعاء: لأن ذلك يجعل الإنسان يتباطأ الإجابة فيترك الدعاء، وقد قال النبي (: «يُستجاب لأحدكم ما لم يعجِّل، يقول: دعوت فلم يستجب لي» [رواه البخاري].
وعلى المسلم أن يتحيَّن المواطن التي يُستجاب فيها الدعاء مثل:
1- آخر الليل.
2- دُبُر الصلوات التطوعية.
3- بعد التشهُّد الأخير في جميع الصلوات المفروضة والنوافل.
4- عند نزول الغيث.
5- في السفر.
6- حال الظلم.
7- عند الشدائد.
8- عند اجتماع المسلمين.
9- عند الفطر أثناء الصيام.
10- دعاء الوالدين.
11- الساعة الأخيرة من يوم الجمعة.
الوسيلة الثامنة: تسليم الأمر لله:
لقد كتب الله على الشيطان الشقاء، وطرده من رحمته ولعنه، وأتبعه غضبه وسخطه في الدنيا والآخرة، وقد طلب من ربه مهلة إلى يوم القيامة؛ ليوسوس للناس، فيبث بينهم الأوهام والهواجيس حتى تضيق عليهم الأرض بما رحبت، وتضيق عليهم أنفسهم، فلا يعرفون للحياة مسلكًا، ولا للراحة طعمًا، ولا يغمض لهم جفنًا، ولا للاطمئنان طريقًا، وكل ذلك بسبب ما يسلطه الشيطان عليهم من الحزن والأسى، مع أن الحقيقة لا حزن ولا أسى، ولكن بالابتعاد عن منهج الله تعالى، وترك العمل بسُنَّة نبيه (، يحصل ذلك كله، فيأتي الشيطان للإنسان إذا فقد الذريَّة – أي كان عقيمًا – فيوسوس له أنه لا قيمة له في هذه الحياة من غير ولد، وأنه لا بدَّ أن يتخذ كل الطرق المشروعة وغير المشروعة في سبيل الحصول على الذرية، ثم تراه لا ينام الليل من شدة التفكير والهم والغم الذي سيطر على تفكيره وعقله، فهو هائم في هذه الحياة لا يذوق لها طعمًا ولا راحة، ولو أنه سلم أمره إلى ربه ولجأ إليه واعتصم به من شر عدوه لوجد الحلاوة والراحة، ولعرف أن لله في خلقه حكم بالغة لا يعلمها إلا هو، ولعلم حق العلم أن الله تعالى لا يقضي شيئًا على عبده إلا لمصلحة راجحة، علمها من علمها وجهلها من جهلها، فعلى الإنسان أن يسعى جاهدًا في هذه الحياة لتوفير ما يحبه ويريده، لكن لا يكون ذلك على حساب ضياع دينه، وطاعة الشيطان في وساوسه، بل بالطرق الشرعية الصحيحة، وليعلم المسلم أن الله تعالى غفور رحيم، رؤوف عظيم، يمنع ويعطي لدفع ضرر، أو جلب نفع، فمن الناس من منع الله عنه الذرية لعلمه سبحانه أنهم قد يكونون عليه وبالاً ونقمة، وقد يخسر دينه مع عظيم التربية التي قد لا يرعاها حق رعايتها فيبوء بإثم التفريط والإهمال، والغفلة وعدم النصح والإرشاد لمن يعول، وهذا مصداقًا لقول ربنا سبحانه وتعالى: (يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ( [التغابن: 14]، فالأولاد إما نعمة وإما نقمة، وكما قلنا: أن الله تعالى لا يفعل شيئًا عبثًا، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، فالأمور تسير بتدبير محكم من حكيم خبير، لا تحتاج إلى ناصح أو مرشد من الخلق، وكم نرى من أُناس تمنوا أنت الله تعالى لم يرزقهم الذرية لما حصل لهم من البلاء بسببهم، وما يعانونه من ضيق في القلوب، وخجل وحياء أمام الناس من أفعال الأولاد القبيحة الفاضحة، بل ومن الأولاد من يشتم والديه، وقد يصل الأمر إلى حد الضرب والركل والعياذ بالله.
واعلم يا مَن منعت الذرية أن الله تعالى قد ادَّخر لك خيرًا منها عنده سبحانه، أو صرف عنك من السوء ما هو أكبر من أن تهتم بالحصول على ذلك، فاحمد الله أولاً وآخرًا على كل نعمة أنعمها عليك في قديم أو جديد، فنعم الله عليك تترًا، ولكنك ما قمت بشكرها حق الشكر، وأعظم هذه النعم نعمة الإيمان والإسلام التي بها خرجت من دياجير الظلمات، إلى نور الأرض والسموات، ثم النعم عليك تتزايد، وأنت من كبد في كبد، فكل ما في جسدك نعمة، وكل ما في الكون نعمة، هيأها الله لك، وسخرها من أجل أن تعبد الله وحده دون سواه، فهل قمت بشكر المنعم سبحانه؟ وهل أعطيت كل نعمة حمدًا وشكرًا؟ لا أظنك إلا مقصِّرًا ومفرِّطًا، ووالله لو اشتغلت بالتفكر في عظيم خلق الله تعالى لما شغلك عدوك إبليس، ولما لبس عليك تلبيس، ولكنك اقتنعت بما يمليه عليك الشيطان من الوساوس والهواجيس، فأصبحت فريسة تتقاذفك الأفكار المسمومة، والأهواء المذمومة، يقول تعالى: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا( [الشورى: 49، 50]، فالعقم وعدم الإنجاب أمرٌ فطريٌ كَتَبه الله تعالى على بعض خلقه امتحانًا واختبارًا، فالله جل وعلا يعطي ويهب، ويمنع ويسلب، فيعطي هذا ذكورًا، وذاك إناثًا، وآخر ذكورًا وإناثًا، ثم لا تجد أكثرهم شاكرين، وهل تحسب أن كل واحد منهم يرضى بما قسمه الله له، بل البعض يتمنى أن لو وهبه ربه بدل الذكور إناثًا، والآخر يتمنى أن لو وُهِبَ بدل الإناث ذكورًا، ومن لديه أطفال يتمنى لو لم يكن لديه أطفالٌ، ومَن لم يرزق الذرية يتمنى أن لو وهبه الله عز وجل ذرية، دون نظر إلى كون هذه الذرية طيبة صالحة أو غير ذلك، وهذا خطأ فادح قادح، فالإنسان يطلب الذرية الصالحة التي تكون عونًا له على طاعة ربه سبحانه وتعالى: كما قال ربنا جل وعلا على لسان زكريا (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ( [آل عمران: 38]، فالولد الصالح هو الذي يرجوه المسلم من ربه سبحانه وتعالى؛ لأنه يكون له ذخيرة بعد موته تمده بالأعمال الصالحة بعد موته كما جاء ذلك عن النبي ( حيث قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» [رواه مسلم].
وحاصل ذلك أن الإنسان لا يرضيه حال من الأحوال، فلو أعطي واد من الغنم لتمنى واديين، ولو أعطي واديين لتمنى ثلاثة، ورضا الناس غاية لا تدرك، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، لكن يجب على من منع من الذرية أن يصبر ويحتسب ذلك عند مولاه وخالقه، وليعلم أن ذلك من الابتلاء والامتحان من الله لعبده، وليحذر المسلم كل الحذر من الجزع والسخط، فإن ذلك من محبطات الأعمال، نعوذ بالله من الخذلان، قال (: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط» [رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، وحسَّنه شعيب الأرنؤوط في رياض الصالحين].
(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ( فعجبًا لمن يعلم أن له عدوًا يكيد له المكائد ويدس له الدسائس، كيف يهدأ له بال أو يهنأ له حال، والعدو يقعد له كل مرصد، ويتربص به الدوائر، ثم ما يلبث أن يخضع للعدو اللعين، الشيطان الرجيم، ويقبل ما يلقيه عليه من الوساوس، وينصاع لما يأمر من أوهام وخزعبلات، ثم بعد ذلك يضيق به الحال ذرعًا، ويشكو من الآلام النفسية والعصبية، وهو المتسبب في ذلك كله، فالحق بركب الناجين، واقتحم سفينة التائبين، والتحق بحوزة إخوانك المؤمنين، فلا فلاح ولا نجاح إلا بالتمسك بالعقيدة الصحيحة واختيار الأصحاب الأخيار، فهم خير جليس وأنيس، والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الوسيلة التاسعة: المحافظة على الأذكار:

واعلم أن الشيطان لك بالمرصاد، فأنت وهو في حرب دائمة، حرب ضروس، وفي عداء مستمر، عداء بين الخير والشر، فالشيطان لا يكل ولا يمل، بل ولا يفتر عن كيده ووسوسته لك حتى يخرجك من دينك إن استطاع فإن لم يحصل له ذلك كره إليك بعض الأوامر والنواهي حتى لا تدخل كليًا في الدين فتصبح صيدًا سهلاً في يديه، قال تعالى: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ( [الزخرف: 36]، فالحرب بينك وبين عدوك سجال، مرة تنال منه، بأن لا تحقق له ما يصبو إليه، ومرة ينال منك فتفعل الحرام، فيفرج عدوك بذلك، والخروج من ذلك أن تكثر من مجاهدته، وذلك باعتصامك بالله تعالى، وتمسكك بأوامره سبحانه والاستعاذة بالرحمن من الشيطان عدو الإنسان، والاعتصام بالله لتسهيل الأسباب التي تزيل الوسوسة من القلوب والنفوس، حتى يسمو الإنسان بنفسه إلى المراتب العلى في الدنيا والآخرة، ومن أهم أسباب طرد الشيطان ووسوسته المحافظة على الأذكار المشروعة الصحيحة المستمدة من كتاب الله تعالى وسنة نبيه (، فهي بإذن الله درع متين، وحصن منيع من العدو اللدود إبليس وجنده من شياطين الإنس والجن الذين يوحون إلى أوليائهم زخرف القول غرورًا، فمن حافظ على الأذكار كان لسانه رطبًا من ذكر الله تعالى، لمداومته ذكر ربه ليل نهار.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الوسوسه ووسائل الخلاص منها..
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تصنيف المخدرات والوقاية منها
» وقت ليلة القدر ومن اللذين يمنعوا منها لمحمود المصري
» بعض مبطلات الأعمال التي وردت في الكتاب والسنة حتى نتجنبها ونكون على حذر منها

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات أنا السلفي , محاضرات برامج سلاسل علمية :: الـمـنـتـدى الـعـام :: نـســـــائـــم عـــــــــامــة-
انتقل الى: